فصل: قال ابن جني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب في كرامات الأولياء وعمر رضي اللّه عنه:

قال بعض المفسرين: إن هذه الآية مبطلة لكرامة الأولياء لأنهم مهما علت رتبتهم وسمت معارفهم فلن يبلغوا درجة الرسل، وإن اللّه خص بغيبه بعض المرسلين المرضيين عنده بالاطلاع على بعض غيبه، ومبطل للكهانة والتنجيم والتنويم وغيرها من باب أولى، لأن أصحابها أبعد شيء عن الارتضاء وأقرب شيء للسخط، حتى قال الواحدي إن في هذه الآية دليلا على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حياة أو موت أو غيرهما فقد كفر بالقرآن.
هذا ما قاله هذان وغيرهم تبعا هم كثيرون، أما الذي أجمعت عليه أهل السنة والجماعة فهو إثبات وقوع الكرامة للأولياء ودليل لوجودها ويجب هذا عقيدة أيضا.
قال صاحب بدء الأمالي:
كرامات الولي بدار دنيا ** لها كون فهم أهل النوال

وهو من الماتريديّة.
وقال صاحب الجوهرة في الأشعرية مثله، وجميع المسلمين تابعون لهما في العقيدة، إذ قالوا إن ما جاز وقوعه معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة للولي، إذ لا مانع من أن يلهمهم اللّه وقوع بعض الحوادث المستقبلة فيخبرون بها من إطلاع اللّه إياهم لا من أنفسهم، يدل على هذا ما روي عن أبي هريرة أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لقد كان فيمن مضى قبلكم من الأمم أناس محدثون (ملهمون) من غير أن يكونوا أنبياء، وإن يكن من أمتي أحد فإنه عمر بن الخطاب»- أخرجه البخاري- وإنما خصه صلى الله عليه وسلم لنطقه بأشياء نزل بها القرآن وهي معلومة، وسنأتي عليها في محلها إن شاء اللّه في سورة النور ج 3 وغيرها، وروى مسلم عن عائشة مثل هذا الحديث، ومن كراماته رضي اللّه عنه إسماع صوته زمن خلافته من المدينة إلى القادسية حينما قال (يا سارية الجبل) وهي مشهورة أيضا، وكتابته الكتاب إلى النيل وهو من أكبر الكرامات وغيرها كثير، وقصة الخضر مع سيدنا موسى عليهما السلام، وقصة أصحاب الكهف الآتية في الآيات 10 و9 و72 وما بعدها من سورة الكهف، وقصة مريم الآتية في الآية 22 فما بعدها من سورتها، وقصة بلقيس في الآية 80 من سورة النمل الآتية، وهذا القدر كاف على ثبوتها للأولياء عدا إشارات القرآن الأخرى ورموز حضرة الرسول.
والفرق بين النبي والولي من هذه الحيثية هو أن المعجزة أمر خارق للعادة مع عدم المعارضة مقرونة بالتحدي، وأن الكرامة أمر خارق للعادة مع المعارضة وعدم التحدّي، لأن الولي إذا ادعى خرق العادة مع التحدي كفر، وقد يظهر على يده أمر خارق للعادة من غير دعواه، وفيها دليل على ثبوت نبوة النبي أيضا التابع له ذلك الولي الذي ظهر على يده أمر خارق، فلو لم تكن نبوته حقا لما ظهر على يد من تابعه أمر خارق للعادة، فخرج بهذا الكاهن والمنجم والمنوم، لأن الأول ليس تابعا لرسول لانسداد باب الكهانة بمبعثه صلى الله عليه وسلم، والمنجم يتبع بإخباره ما يظهر له من حركات النجوم وسيرها وطلوعها وغروبها، والمنوم يتبع بإخباره ما يظهر له من قراءة الأفكار حينا والشعوذة حينا، وإنما خص الولي لتوغله بعبادة ربه وإخلاصه له وقطع نفسه إليه، وهؤلاء ليسوا كذلك فحكمهم حكم الكاهن، فمن ادعى منهم علم الغيب فهو كاذب كافر، وقد سبق لنا بحث واف في هذا الباب في سورة والنجم فراجعه تقنع، وله صلة في تفسير الآيات المشار إليها آنفا وفي الآية 37 من سورة آل عمران.
هذا، ولا يوجد سورة بالقرآن مختومة بما ختمت به هذه السورة، واللّه أعلم.
وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم، وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين آمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الجن:
مكية.
{فآمنا به} كاف وكذا {أحدا} هذا لمن قرأ بالكسر فإن قرأه بالفتح بمعنى قل أوحي إليّ انه استمع وأنه تعالى لم يقف عليهما.
وكذا الحكم في بقية الآيات التي بعدها وإما أو وإنه أو وإنهم مما يكسر ويفتح وعدتها اثنتا عشر.
{ولا ولدا} كاف وكذا {شططا} و{كذبا} و{رهقا} و{أحدا} و{شهبا} و{رصدا} و{رشدا} و{قددا} و{هربا} و{رهقا} و{رشدا}.
{حطبا} صالح.
{لنفتنهم فيه} تام وكذا {صعدا}.
{مع الله أحدا} كاف.
{لبدا} حسن. وكذا {أحدا}.
{ورسالاته} تام وكذا {فيها أبدا} و{أقل عددا} و{أمدا}.
ولا يوقف على {من رسول}.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الجن:
مكية.
عشرون وثمان آيات إجماعا.
وكلمها مائتان وخمس وثمانون كلمة.
وحروفها سبعمائة وتسعة وخمسون حرفا.
يبنى الوقف والوصل في هذه السورة على قراءة أن بالفتح والكسر فمن فتح عطفها على الهاء من قوله: {آمنا به} وهو ضعيف عند أهل البصرة لأنّ الظاهر لا يعطف على المضمر المجرور.
ولا يتم الوقف لمن فتح أن ومن أضمر معها فعلا ساغ الابتداء بها سواء كانت مفتوحة أو مكسورة.
قال الهمداني وقد يجوز أن يكون معطوفا على موضع الباء والهاء وذلك أن {فآمنا به} في تقدير فصدقناه أو صدقنا أنه وإن شئت عطفته على {أوحي إليّ أنّه} ومن كسرها عطفها على قوله: {فقالوا إنّا سمعنا} فالمضمر مع المفتوحة {آمنا به} و{أوحي إليّ} ومع المكسورة فعل القول وعدتها اثنتا عشرة.
وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو جميع ما في هذه السورة بالكسر إلاّ أربعة مواضع وهي: {أنّه استمع} و{أن لو استقاموا على الطريقة} و{أنّ المساجد لله} و{أنّه لما قام عبد الله يدعوه} ردا إلى {أوحي}.
وقرأ نافع وأبو بكر عن عاصم مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو إلاّ موضعا واحدا وهو {وأنّه لما قام عبد الله يدعوه} فإنّهما كسرا هذا الحرف وفتحا الثلاثة.
{فآمنا به} كاف. ومثله {بربنا أحدا} لمن قرأ {وإنّه} بالكسر وليس بوقف فيهما لمن قرأه بالفتح بمعنى قل أوحي إليّ أنّه استمع وأنّه تعالى جدُّ ربنا إلى آخرها.
وملخصه ما كان بمعنى القول كسر وما كان بمعنى الوحي فتح.
والمراد بقوله: {جدّ ربنا} عظمته وجلاله ومنه جدّ الرجل عظم وفي الحديث «كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جدّ فينا» أي عظم قدره في أعيننا والمراد قدرة ربنا أو فعله أو نعمائه أو ملكه.
{ولا ولدا} كاف.
و{شططا} و{كذبا} و{رهقا} و{أحدا} و{شهبا} و{رصدا} و{رشدا} و{قددا} و{هربا} و{رهقا} و{رشدا} كلها وقوف كافية.
و{حطبا} جائز.
{غدقا} ليس بوقف لتعلق اللام.
{لنفتنهم فيه} تام للابتداء بالشرط ومثله {صعدا} على قراءة من قرأ {وإنّه} بكسر الهمزة وليس بوقف لمن فتحها عطفا على ما قبلها أي فلا تدعوا مع الله أحدا لأنّ المساجد لله.
{أحدا} كاف لمن قرأ {وإنّه} بالكسر وليس بوقف لمن عطفه على {وأنّ المساجد}.
{لبدا} حسن.
{أدعو ربي} ليس بوقف لاتساق ما بعده.
{أحدا} كاف ومثله {رشدا}.
{من الله أحدا} ليس بوقف لاتساق ما بعده.
{ملتحدا} ليس بوقف للاستثناء.
{ورسالاته} تام للابتداء بالشرط ومثله {أبدا} إن علقت حتى بمحذوف أو جعلت حرف ابتداء يصلح أن يجيء بعدها المبتدأ والخبر ومع ذلك فيها معنى الغاية فهي متعلقة بقوله: {لبدا} أي يكونون متظاهرين حتى إذا رأوا العذاب فسيعلمون عند حلوله من أضعف ناصرا وأقل عددا.
و{عددا} كاف. ومثله {أمدا} إن رفع {عالم الغيب} خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم وليس بوقف إن جعل نعتا لـ: {ربي} أو بدلا منه.
ولا يوقف على {من رسول} للاستثناء ومنهم من جعل {إلا} بمعنى الواو وأن التقدير فلا يظهر على غيبه أحدا ومن ارتضى من رسول فإنّه يسلك قاله الهمداني.
وهو يفيد نفي إطلاع الرسل على غيبه لأنّ غيبه مفرد مضاف فيعم كل فردٍ فرد من المخلوقات إذ الغيوب كلها لم يطلع عليها أحدٌ من خلقه وهو مخالف للآية ومفاد الآية على أنّه متصل فلا يظهر على غيبه المخصوص أحدا إلاّ من ارتضى من رسول وقد ارتضى نبينا صلى الله عليه وسلم وأطلعه على بعض من غيبه لأنّ من الدليل على صدق الرسالة إخبار الرسل بالغيب وأما البقية من الرسل والأنبياء والأولياء فلا يظهرهم على ذلك المخصوص بل على غيره.
{ومن خلفه رصدا} ليس بوقف لتعلق اللام.
{رسالات ربهم} جائز ومثله {بما لديهم}.
آخر السورة تام.. اهـ.

.فصل في ذكر قراءات السورة كاملة:

.قال ابن جني:

سورة الجن:
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
قرأ: {أُحِى1}- من وحيت، في وزن فعل- جؤية بن عائذ.
قال أبو الفتح: يقال: أوحيت إليه، ووحيت إليه. قال العجاج:
وحى لها القرار فاستقرت

وأصله: (وحى)، فلما انضمت الواو ضما لازما همزت، على قوله تعالى: {وإِذا الرُّسُلُ أُقِّتت}. وقالوا في وجوه: أجوه، وفي ورقة أرقة، وقالوا: أجنة، يريدون: الوجنة.
قال أبو حاتم: ولم يستعملوها على الأصل: وجنة. وتقول على هذا: أحى إليه، فهو موحي إليه، فتردد الواو لزوال الضمة عنها. ومثله: أعد فهو موعود، وأرث المال فهو موروث. ولا يجوز مأعود، ولا مأروث؛ لزوال الضمة عن الواو. فأما قوله: ومن حديث يزيدني مقة ** ما لحديث المأموق من ثمن

فليس على الهمز، لكنه أراد الموموق، إلا أنه أبدل الواو ألفا، لانفتاح ما قبلها وإن كانت ساكنة، كما قالوا في يوجل: ياجل، وفي يوحل ياحل، وفي يوتعد- في اللغة الحجازية-: ياتعد، وفي يوتزن: ياتزن. فهذا على قلب الواو ألفا لانفتاح ما قبلها، ليس على طريق الهمز.
وينبغي أن يحمل على هذا أيضا قوله عليه السلام: «ارجعن مأزورات غير مأجورات» يريد: موزورات، ثم تقلب الواو؛ لما ذكرنا- ألفا. وعلى أنه قد يمكن أن يكون قلب الواو همزة هنا إتباعا لمأجورات.
ومن ذلك قراءة عكرمة: {جدّا ربُّنا}.
وروى عنه: {جدّا ربُّنا}، وغلط الذي رواه.
قال أبو الفتح: أما انتصاب {جدّ} فعلى التمييز، أي: تعالى ربنا جدا، ثم قدم المميز، على قولك: حسن وجها زيد.
فأما {جد ربنا} فإنه على إنكار ابن مجاهد صحيح؛ وذلك أنه أراد: وأنه تعالى جد جد ربنا على البدل، ثم حذف الثاني، وأقام المضاف إليه مقامه. وهذا على قوله سبحانه: {إِنّا زيّنّا السّماء الدُّنْيا بِزِينةٍ الْكواكِبِ}، أي: زينة الكواكب، فـ{الكوكب} إذا بدل من {زينة}.
فإن قلت: فإن الكواكب قد تسمى زينة، والرب تعالى لا يسمى جدا.
قيل: الكواكب في الحقيقة ليست زينة، لكنها ذات الزينة, ألا ترى إلى القراءة بالإضافة وهي قوله: {بِزِينةٍ الْكواكِب}؟ وأنت أيضا تقول: تعالى ربنا، كما تقول: تعالى جد ربنا. فالتعالى مستعمل معهما جميعا، كما يقال: يسرني زيد قيامه، وأنت تقول: يسرني زيد، ويسرني قيامه. وهذا بيان ما أنكره ابن مجاهد.
ومن ذلك قراءة الحسن والجحدري ويعقوب وابن أبي بكرة، بخلاف: {أنْ لنْ تقول}.
قال أبو الفتح: {كذبا}- في هذه القراءة- منصوب على المصدر من غير حذف الموصوف معه، وذلك أن {تقول} في معنى تكذب، فجرى تبسمت وميض البرق، أي: أنه منصوب بعفل مضمر، ودلت عليه تبسمت، أي: أومضت. فعلى هذا كأنه قال: أن لن يكذب الإنس والجن على الله كذبا.
ومن رأى أن ينصب (وميض البرق) بنفس تبسمت؛ لأنه بمعنى أومضت نصب أيضا {كذبا} بنفس {تقول}؛ لأنه بمعنى كذب.
وأما من قرأ {أنْ لنْ تقول}، بوزن تقوم فإنه وصف مصدر محذوف، أي: أن لن تقول الإنس والجن على الله قولا كذبا، فكذب هنا وصف لا مصدر، كقوله تعالى: {وجاءُوا على قمِيصِهِ بِدمٍ كذِبٍ}، أي: كاذب. فإن جعلته هنا مصدرا نصبته نصب المفعول به، أي: لن تقول كذبا، كقولك: قلت حقا، وقلت باطلا، وقلت شعرا، وقلت سجعا. ولا يحسن أن تجعله مع {تقول} وصفا، أي: تقولا كذبا؛ لأن التقول لا يكون إلا كذبا، فلا فائدة إذا فيه.
ومن ذلك قراءة الأعمش ويحيى: {وأن لوُ اسْتقامُوا}، بضم الواو.
قال أبو الفتح: هذا على تشبيه هذه الواو بواو الجماعة، نحو قوله: {اشْتروُا الضّلالة}، كما شبهت تلك أيضا بهذه فقرءوا: {اشْتروُا الضّلالة}، وقد مضى ذلك.
ومن ذلك قراءة الجحدري والحسن، بخلاف: {لُبدا}، مشددة.
قال أبو الفتح: هذا وصف على فعل: كالجباء، والزمل، واللبد: الكثير يركب بعضه بعضا، حتى يتبلد من كثرته.
ابن مجاهد: وروى عن عاصم الجحدري؛: {لبُدا}، بضم اللام والباء.
قال أبو الفتح: هذا من الأوصاف التي جاءت على فعل، كرجل طلق، ناقة سرح.
ومن ذلك قراءة ما رواه يحيى عن ابن عامر: {أدْرِي أقرِيب}، وهذا لا يجوز.
قال أبو الفتح: طريق هذا أنه شبه آخر فعل المتكلم بيائه، كقولك: هذا غلامي وصاحبي، وأنسخ بذلك أن للمتكلم في {أدري} حصة، وهي همزة المضارعة، كما أن له حصة في اللفظ، وهي ياؤه. وعلى كل حال فهذه شبهة السهو فيه، لا علة الصحة له، كما أن ياء مصيبة أشبهت في اللفظ ياء صحيفة، حتى قالوا: مصائب سهوا، كما قالوا صحائف. اهـ.